"مصطفى مشرفة"..

موضوع: "مصطفى مشرفة".. الإثنين مارس 31, 2008 12:50 am

"مصطفى مشرفة"..
العالم الذي نعاه "أينشتاين"!

"إنه لخسارة للعالم أجمع"...
تلك هي الجملة التي عبر بها "ألبرت أينشتاين" عما شعر به من أسى وحزن فور بلوغه خبر وفاة واحد من أنبغ تلاميذه الذين ساهموا في مساعدته على تطوير النظرية النسبية العامة، إنه العالم المصري "علي مصطفى مشرفة".
حينما دعاه "أينشتاين" عام 1945 لإلقاء المحاضرات والاشتراك ببعض أبحاث الذرة كأستاذ زائر لمدة عام، اعتذر بقوله الشهير: "في بلدي جيل يحتاج إليَّ" وهي واحدة من المواقف العديدة التي تعكس طبيعة انتماء العالم المصري "مشرفة" الذي كرس حياته لخدمة المجتمع.. سواء من خلال أبحاثه العديدة بمجال الفيزياء، أو اشتراكه بالعديد من المشاريع التي كان من شأنها تشجيع الصناعة الوطنية، وإنشاء جماعة الطفولة المشردة، وسعيه للاهتمام بما تخبئه الصحراء المصرية من يورانيوم وثروات طبيعية غير مستغلة، وتوجيه الأنظار إلى استغلال مساقط النيل في استخراج الطاقة الكهربائية، وتشجيع الحكومة على إنجاز مشروع خزان أسوان، كما دعا إلى حرية الرأي لدى المواطنين وإلى مبدأ تكافؤ الفرص وإذابة القيود القومية والفواصل الجنسية بين الشعوب العربية، وقام بتشكيل جماعة "شباب مصر" لتضم العديد من المثقفين والعلماء بهدف إقصاء الملك "فاروق" عن الحكم وإعلان الجمهورية المستقلة.
بالتأكيد لم يكن مجرد عالم يمارس أبحاثه في برجه العاجي بعيدًا عن المجتمع، وهو ما تسبب في العديد من المشاكل التي ربما انتهت بمقتله مسموما عام 1950 ليفقد العالم كله أحد أهم علماء الفيزياء في التاريخ. وقيل: إن للملك "فاروق" دورًا في عملية اغتياله؛ نظرا لمواقف "مشرفة" السياسية، ولكن تتوالى اغتيالات الكوادر العلمية بعد ذلك من "سميرة موسى" إلى "سمير نجيب" إلى "سعيد السيد بدير"، و"نبيل القليني"، و"يحيى المشد" وغيرهم... كسياسة خبيثة تنتهجها المنظمات الصهيونية من أجل تحجيم التطور العلمي بالعالم العربي.
..... دعونا نتناول القصة منذ بدايتها .
بداية نابغة..!
ولد "علي مصطفى عطية مشرفة" بدمياط يوم 11 يوليو من عام 1989 في أسرة عرف عنها يسر الحال والالتزام الديني حيث كان والده من مشايخ مدرسة "محمد عبده"، والإمام "جمال الدين الأفغاني"، ولهذا كانت لمصطفى مشرفة مرجعية دينية بكل خطوات حياته، حتى إن هذا بدا واضحا في خطاباته التي ينهيها بعبارة واحدة لا تتغير: "اعمل وإخوانك للإسلام.. لله"، وهو ما يفسر أيضًا عِشْقه للُّغة العربية، ومحاولاته الدائمة لتبسيط العلوم ومزج الأدب بالعلم.
حصل "مشرفة" على الابتدائية عام 1907 وكان الأول على القطر المصري بالرغم من وفاة والده قبل اجتيازه الامتحان بحوالي شهر، وبالرغم من حصوله على مجموع مرتفع بالبكالوريا إلا أنه اختار الالتحاق بمدرسة المعلمين العليا عام 1914؛ ليواصل تفوقه المعهود والذي رشحه بعد ثلاثة أعوام فقط؛ أي في عام 1917؛ ليحظى ببعثة إلى "إنجلترا"، فسافر؛ ليلتحق بكلية "نوتنجهام"، ثم كلية "الملك" بلندن، ليحصل على بكالوريوس في العلوم عام 1923، وفي أقصر وقت تسمح به قوانين الدراسة بالجامعة استطاع أن يحصل على دكتوراة في الفلسفة أيضا، ثم عاد إلى مصر عام 1925 ليصبح أستاذا للرياضيات التطبيقية بكلية العلوم جامعة القاهرة، ولكنه سرعان ما عاود السفر إلى إنجلترا مرة أخرى؛ ليحصل على دكتوراه العلوم، ليصبح هو المصري الأول الحاصل على مثل هذه الدرجة العلمية الرفيعة، وفي عام 1925 عاد إلى مصر؛ ليحصل على درجة الأستاذية عام 1926 وهو لم يتجاوز الثلاثين من عمره بعد، وهو الأمر الذي أثار حفيظة بعض من زملائه الأساتذه. ثم عميدا لكلية العلوم عام 1936، وتم انتخابه كوكيل للجامعة عام 1945.
"مشرفة" وسرّ الذرّة
"مصطفى مشرفة".. 3lem_01

كان "مصطفى مشرفة" من العلماء القلائل الذين عرفوا سر تفتت الذرة؛ وهي الفكرة التي تم الاعتماد عليها لصناعة أول قنبلة ذرية في التاريخ، كما كان هو أول من توصل إلى فكرة القنبلة الهيدروجينية بالرغم من اعتراضه الدائم على استخدام مثل هذه الأبحاث في الحروب، كما كان هو أول من وضع بحوثا حول إيجاد مقياس للفراغ، ليضيف إلى نظرية "أينشتاين" التي تعرضت فقط للجسيم المتحرك في مجال الجاذبية، ولكن أكثر النظريات التي وضعها "مشرفة" أهمية وإثارة لمجال البحث العلمي في جميع أنحاء العالم هي تلك المتعلقة بتفسير الإشعاع الصادر من الشمس؛ حيث أثبت أن المادة ذات أصل إشعاعي، بل يمكن تحويل الصورتين إلى كل منهما، وهو ما مهد بالطبع لتحويل المواد الذرية إلى إشعاعات، أو بمعنى آخر (القنبلة الذرية)!
52 عاما قضاها العالم الكبير "مصطفى مشرفة" في دنيانا، ليرحل في يوم 15 يناير لعام 1950.
بالتأكيد كان لديه الكثير مما لم يمهله القدر لاستكماله، فقد ترك لنا مائتين من مسوَّدَات أبحاثه التي ربما كانت تستطيع أن تغير مجرى تاريخ بلدنا.